رغم حبنا الشديد لأبناءنا إلا أننا قد نقسو عليهم بسبب أخطائهم ثم نعود لنفرط في تدليلهم بسبب حبنا لهم، وهي المعضلة التي حاولت خبيرة التربية سناء عيسى معالجتها بأسلوب ممتع ومؤثر خلال برنامجها التربية بالحب، فجعلت الحب قاعدة خالصة في التربية لخلق حوار متوازن مع الطفل يسهل معه معالجة الكثير من الأخطاء.. حاورتها لمعرفة أسس برنامجها في التربية ومعرفة كيف تواجه الأم بعض مشكلات الأطفال مثل الكذب والعند والعنف..
من خلال ما طرحتيه بالجزء الأول من الحوار عن برنامجك التربية بالحب.
= أخبرينا كيف تتعامل الأم مع الطفل العنيد؟
بالنسبة لي لا يوجد طفل عنيد، بل يوجد طفل لديه إصرار رائع سيجعله شيئا مميزًا يومًا ما، أو يوجد طفل لديه ذكاء عالي جدا ولهذا يحتاج لمهارات مميزة للوصول إليه وإقناعه، أو يوجد طفل موجوع ويعاني كما هائلا من مشاعر سلبية إذا عالجتها حققت تجاوبًا رائعًا ليس له نظير، المشكلة في التواصل وليس في الطفل، والأمثلة كثيرة ولكن سرعة نعت الطفل بالعنيد وقلة الإستماع إليه تجعله يتقن هذا الدور فإحذروا.
= وبالنسبة للطفل الجبان الذي يفتقد الثقة بالنفس.. كيف يمكن دعمه؟
فقد الثقة بالنفس لا يولد تلقائيا بل هي تراكمات من إحباط وإهانة وتعنيف وإهمال، هي أيضًا رؤية الأهل عديمي الثقة بالنفس، بالحبس والخوف وعدم السماح للطفل بالحركة والتجربة.
الدعم الأول والأخير هو إحترام الطفل، تقبله وحبه، السماح له بالتجريب، التبسم بوجهه، تحمله وتحمل إخفاقاته وتشجيعه على المحاولة.
كما يجب إكثار المديح الإيجابي البناء وليس التقديرات الكلامية مثل رائع وعظيم وبطل هذه الصفات لا تفيد الطفل ولا تزيد من ثقته أبدًا.
= لماذا يكذب الأطفال؟
الكذب سلوك مكتسب وأي سلوك نكتسبه ونتعلمه نستطيع أن نتخلى عنه ونتركه بعد أن نعرف دوافعه الداخلية، فقد يكون لإخفاء جريمة خوفا من العقاب ككسر شيئاً، مزق كتاباً، تسأله من فعل هذا؟؟ يقول لست أنا.
وقد يكون لشعور الطفل بالخجل والأسف لما بدر منه من سلوك كتخريب مكياج الأم، أو قد يكون الدافع هو الكسل عن القيام بمهمة -نعم رتبت الألعاب، وهو لم يرتبها- أو تمني أن السلوك الذي وقع منه لم يكن كسرقة حلوى أخته الصغيرة؟، العبث بملفات أبيه، فالخوف ألايسمح له بنشاط معين المراهق -أين ستذهب؟ للمكتبة للدراسة ثم تجده في مقهى النت.
وقد يكون السبب هو الشعور بالإحباط أن الأهل لن يفهموه أو يقدروا معاناته -ما الذي حصل بالمدرسة مع استاذك؟ لاشيء لا تقلق يا أبي.. ثم تصل رسالة للأهل فيها ما يكدرهم.
= وكيف يكون العقاب في هذه الحالات؟
العقاب ليس حلا بل يجب أن نلجأ للحوار الإيجابي لنعزز الصدق وهذه خطوات الحوار الإيجابي:
ـ التحلي بلغة جسد هادئة... تبسم خفيف... حاجبين مرتاحين... نظرة عين ونزول لطول الطفل.
ـ وصف ما نرى أو ما نشعر -أرى الطبق مكسور ومنثور على الارض.
ـ توقع ما يشعر الطفل وتقبله وترديده على مسامعه لتخفيف شعوره بالخزي أو العار مثلا -أكل الحلوى مخجل بعض الشيء.. ويصعب الاعتراف بمثل هذا الأمر.
ـ يجب إستخدام التمني لتزويد الطفل شعورًا بالأمان -أنت تتمنى لو أن الطبق لم ينكسر، أنت تتمنى لو حقا أخبرتني بمشكلتك بالمدرسة.
ـ كشف نية الطفل من السلوك لإشعارهم بالراحة والقدرة على البوح -كانت نيتك إكتشاف ألوان المكياج التي تجذبك.
ـ إخبار الطفل بمشاعرنا وتأثير سلوكهم علينا -يضايقني أن أخسر مكياجي.
ـ إخبار الطفل كيف يمكن أن يصحح الخطأ -مارأيك بأن تشتري حلوى لأختك من مصروفك؟- وإخبار الطفل ما يتوقع منه... -ما أحتاجه منك الآن تنظيف المرآة من آثار المكياج.
ـ دعوة المراهق لجلسة حوار تبدأ بـ أرى أنك تحب أن تقضي وقتا بمقهى النت... ويبدو أنني قيدتك بكثرة الدراسة.... ما تحتاجه بعض الترفيه... وما أحتاجه أنا أن أعرف وأطمئن أن ابني ملتزم بدراسته... كيف نستطيع التوصل لحل مشترك؟ ما رأيك؟ ما أفكارك؟؟.
ـ عند الإنتهاء من جلسة الحوار مع المراهق نختم بـ ابني أنت شاب صادق وهذا ما أتوقعه منك... وأنتظرك أن تصارحني حين يزعجك أمر أو تزيد عليك الضغوط فأنا احبك... مع وضع اليد على الكتف أو مسح شعر المراهق.
= تشتكي كثير من الأمهات من عنف أولادها لاسيما الذكور تحديدًا؟ ما أسباب ذلك؟ وكيف يمكن احتوائهم والحد من عنفهم؟
لكل طفل ظروفه ودوافعه ولابد من دراسة الحالة بالتفصيل لكي نستطيع أن نعطي حلولا مناسبة، فغالبًا ما يكون العنف هو صرخة الطفل -إنني هنا انتبهوا لي إنني أعاني-، أو تعبير عن غضب أو رفض لشيء معين، أو ربما قلة حدود وضوابط أو فهم لموضوع الذكورية بشكل خطأ وتنشئته إنه الرجل ويجب أن يكون له سلطة، وكبت مشاعره وعدم السماح له بالبكاء وهو صغير وقد يكون العنف ناتج عن تأثير الأصدقاء والمدارس والأفلام.
لذلك لابد من معرفة الأسباب والدوافع وظروف الطفل، فإذا تم ذلك كان سهلا أن نرسم خطة لاحتوائه والحد من عنفه.
= تعاني كثير من الأمهات من بطء تحصيل أولادها وضعف إستيعابهم؟ بماذا تنصحينهم؟
التقليل من متابعة التلفاز وخصوصا للأطفال تحت سن 5 سنوات فالتلفاز في عمر 2 أو 3 إلى 5 يقتل الذكاء ويبرمج العقل على المثيرات السريعة والجذابة فيصبح الكتاب ممل وبطئ للدماغ ولا استطيع تقبله ولا التركيز فيه.
كما أنصح بالإهتمام بالتغذية والبعد عن السكريات والألوان الصناعية فهي تضعف التركيز وتزيد الحركة.
ويجب تقسيم الواجبات المدرسية وإعطاء فسحة للراحة والحركة واللعب فاللعب والحركة تساعد الجسم على الراحة وفرز هرمون السيرتونين الذي يحتاجه الدماغ لتثبيت المعلومات.
وأخيرا مراعاة مشاعر الطفل السلبية فغالبا يكون سبب عدم التركيز نفسي وحين زوال السبب النفسي يصبح الطفل جاهزا ومستعدًا أكثر للتعليم.
ما هي الأسس العامة التي تنصحين الأم بإتباعها عند التعامل مع أخطاء الطفل في مراحل عمره بعد النضوج لاسيما مرحلة المدرسة؟
من أهم الأسس التي ننادي بها في التربية بالحب أن نلتقي بالطفل الإنسان ونحقق الإتصال الروحاني معه ولا نتعامل مع الطفل كسلوك فقط، بل نحاول أن نرى ما وراء السلوك، وإذا قمنا بذلك سنكسب إنسان فعال وإيجابي.
حوار: أميرة زكي.
المصدر: موقع رسالة المرأة.